مؤسسة العيون الثقافية

موقع ثقافي يعنى بالادب بكل انوعه على انه رسالة سلام ولغة توحد العالم

random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شكرا لكرم مروركم

النسيان/سليمان دغش

 النّسيـــــان / سليمان دغش

مرَّ النهارُ كعادَتِهِ لا شيءَ فيهِ سوى روتينِهِ الأبديِّ 

يخطو مبطِئاً مللاً على رؤوسِ أصابِعِ القَدَمينِ، يَخشى رُبّما 

شَوكَ الطريقِ، كأنَّهُ الدورِيُّ يحذَرُ ظِلَّهُ مُتَلَفِّتاً في حيرَةٍ لا تَنتهي

لا فرقَ يذكَرُ بينَ يومٍ قد مضى للأمسِ مغتَرِباً

 وبينَ يومٍ يجُرُّ خطاهُ نحوَ غدٍ سَيَصيرُ أمساً لا مَحالةَ في الغَدِ

مرَّ النهارُ على روتينِ دورتِهُ، أترى مررتُ بهِ أو ربما مَعَهُ 

أم انني ما زلتُ رغمَ مُرورِ أيامي على عَهدِ انتِظارِ غدي 

وكأنّما الأيامُ تشبِهُ بعضها تمضي لماضينا سُدًى 

وتترُكُنا لماضيها صَدًى 

مرَّ النهارُ ثقيلاً مثل عادَتِهِ ومرَّتْ بَعدَهُ الأيامُ قاطِرةً 

على تلالِ الريحِ تعلو ثُمَّ تَهبِطُ ثمَّ تعلو ثمَّ تَهبِطُ لا محطّاتٍ 

ولا أرصِفَة للعابرينَ على الطريقِ ولا توقُّفَ لا استراحَةَ للقطارِ 

يمُرُّ دونَ توقُّفٍ أبداً إلى مَحَطَّتِهِ الأخيرَةِ 

وحدهُ النسيانُ يختَزِلُ المَحطاتِ التي رَفَعَتْ على الرَّصيفِ علامَةَ 

استفهامها الكبرى، كمِثلِ اشارةٍ حمراءَ توحي بالخُطورَةِ في

 الطَّريقِ، لعلَّ العابرينَ غداً يتَوَقَّفونَ على دلالتِها الوحيدةِ، ما 

الدَّلالةُ ما الدليلُ هنا طريقٌ في اتّجاهٍ واحِدٍ يهدي إلى النسيانِ، 

ما النسيانُ أسألُ إنَّهُ الموتُ تباطَأَ كي يعذِّبَنا لنموت أحياءً 

ونحيا ميِّتينَ كأنَّنا عِبءٌ على هذي الحياةِ أو انَّها عبءٌ عَلينا

مرَّ النّهارُ على نهارٍ آخَرٍ وَمَرَّ مَرَّ بنا القِطارُ فمنْ ترى يُحصي لنا 

عَرباتِهِ التي لا تنتهي أبدا ما دامَتِ الأيّامُ كالعَرَباتِ يقطُرُها 

وَيمضي، هل تُراها تَنتَهي الأيّامُ يوماً؟

طوبا لمَنْ يَنسى أقولُ فللنسيانِ نِعمَتُهُ كما قالوا، لمَن أرادَ 

ملاذاً آمِنا في حضرةِ النسيانِ باستسَلامِهِ لإلهةٍ ليستْ تقاوَمُ 

في النعاسِ المُخمَلِيِّ فنامَ بِمِلءِ يَقظَتِهِ مستَئنِساً في ذاتِهِ ولذاتِهِ، 

لا شيءَ يَعنيهِ سِواهُ كأنّما هوَ محورُ الدنيا وكلُّ الكونِ 

بَعضُ بَعضٍ من رؤاهُ ومِنْ هواهُ، يُراوِدُ الأحلامَ والأحلامُ أبعَدُ مِنْ 

تَحَقُّقها على سُجَّادةِ الليلِ الطَّويلِ، غداً يُكَنِّسُها النَّهارُ عَنِ البساطِ 

فتَنتهي،

 لا شيءَ غيرُ الحُلْمِ يولَدُ مَيِّتاً

طوبا لمنْ يَنسى، وتلكَ حقيقَةٌ لا ريبَ فيها، قالتِ العَرّافَةُ 

الغجَرِيَّةُ الشَّقراءُ: انسَ

كلُّ شيءٍ في الطريقِ إلى النسيانِ يَنسى ثُمَّ يُنسى 

مرَّ النّهارُ حزينا مثل عادتِهِ ومرَّت بعدهُ الأيامُ للنسيانِ قانطةً

أمّا أنا وقد اختَبَرتُ روايَةَ النسيانِ أوّلَها وآخِرَها ولكِنّي

فقط نسيتُ ، ثمّ 

نسيتُ أنْ أنسى 


(سليمان دغش – فلسطين)

عن الكاتب

عواطف رشيد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

مؤسسة العيون الثقافية